جابر بن حيان رائد الكيمياء الحديثة
--------------------------------------------------------------------------------
جابر بن حيان رائد الكيمياء الحديثة
" نحن علمنا العالم " ، هذه الجملة يعلمها بحق كل من اطلع علــى العطـــاء
الحضاري الذي قدمه علماء المسلمين للعالم كل العالم ، ومعنــا فـــي هـــــذه
المقالة علم من أعلام العطاء الحضاري للأمة الإسلامية في أوج ازدهارها ،
وأنموذج مشرق من صفحات الحضارة الإسلامية في مجال الكيمياء والعلوم
التطبيقية ، إنه أبو الكيمياء جابر بن حيان .
من هو جابر بن حيان
هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي ، طبيب عربـي، عاش فــي
العراق بالكوفة وبغداد، وهو أول من اشتغل بالكيماء القديمة ونبــغ فيـــــها،
حتى إن العرب سمَّوا الكيمياء عامة "صنعة جابر"، إشـارة إلـى أن "جابــر
بن حيان" هو أول من زاولها، وكشف عن مفردها ومركِّبها، وتـناول فــــي
كتاباته الفلزات وأكاسيدها وأملاحها، وأحماض النتريك والكبريتيك والخليك،
وعالج القلويات وحضَّرها ونقَّاها بالبلورة والتقطير، والترشيح والتصعيــــد.
إن جابر بن حيان هو الذي وضع الأسـس العلميــة للكيميـــــــــاء الحديثـــــة
والمعاصرة ، وشهد بذلك كثير من علماء الغرب .
فقال عنه Berthelot برتيلو :"إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو فــــــــي
المنطق" . وقال عنه الفيلسوف الإنكليزي (باكون) : (إن جابر بن حيان هو
أول من علـــم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء)
ويقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوربا إلى جابر ابن
حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التــــي
ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربيــــة.
لقد عمد جابر بن حيان إلى التجربة في بحوثه ، وآمن بها إيمانـــا عميقـــــــا .
وكان يوصي تلاميذه بقوله :"وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب، لأن مــن
لايعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يابني بالتجربة
لتصل إلى المعرفة".
أصل كلمة كيمياء :
يذكر بعض المؤرخين أن العلماء المسلمين الذين اشتغلوا بعلم الكيمياء مــنذ
عهد جابر بن حيان اشتقوا لفظ( الكيمياء) من نفس لغتهم العربية .
وأصل كلمة كيمياء في اللغات الأجنبية هو ( الكمي ـــ Alchemy ) . وتــدل
أداة التعريف ( الـ) على الأصل العربي ولاشك . ويقول نفر من المؤرخين أن
كلمة ( كمي ) من أسماء مصر القديمة وتعني الأرض الســــوداء .
وهناك فئة تقول بأن الكلمة أصلها يوناني قديم وعن الأصل نقل جابر وأمثاله
من العلماء العرب والمسلمين ومعنى الكلمة اليونانية هــو صهر المعـــــادن
وصبها . وكانت صناعة المعادن آنئذ جزءاً لا يتجزأ من عمل علماء الكيمياء
والمشتغلين بهذا الفن بصفة عامــــــــة .
علماء المسلمين حرروا علم الكيمياء من الخرافة
بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية ، حيث سيطرت فكرة تحويل
المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة . وذلك لأن العلماء في الحضارات مــــا
قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون المعادن المنطرقة مثل الذهـب والفضـة
والنحاس والحديث والرصاص والقصدير من نوع واحد ، وأن تباينها نابع من
الحرارة والبرودة و الجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهــي أعراض متغيــــــرة
( نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة ، النار و الهواء و الماء والتراب)، لــــذا
يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير .
ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلاميــة
أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل
العمر .
فعلم الكيمياء مر بحقبة من الزمن سادتها الخرافات و الشعوذة ولكن علماء
العرب المسلمين هم الذي حرروها من ذلك الضجيج الفاسد الذي لا يعتمــــد
على علم ، بل كان مصدرها الوهم والبلبلة .
وبالفعل تأثر بعض العلماء العرب و المسلمين الأوائل كجابر بن حيان و أبـو
بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العـرب والمسلميـــن
من اليونــــــان .
لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها ؛ أدت هذه الدراسة إلى وضـع وتطبيق
المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية .
فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العـــرب
والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جداً من المواد الكيماوية ، وكــــذلك
معرفة بعض التفاعلات الكيماوية , لذا إلى علماء المسلمين يرجع الفضـل
في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطـــة مثـــــل : التقطيــــر
- التسامي- الترشيح - التبلور - التكسيد.
مكتشفات ابن حيان في مجال الكيمياء
كانت أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء إدخال البحث التجريبي إلى
الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثــة
باسمها العربي Alkali، وماء الفضة.
وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر، ومـــاء
الذهب، والبوتاس، وزيت الزاج ( حمض الكبريتيك ).
كما أنه تناول في كتاباته الفلزات، وأكسيدها، وأملاحها، وأحماض النتريك
والكبريتيك، وعمليات التقطير، والترشيح، والتصعيد.
ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في
الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيــام
بها ، فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية.
وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن، وتحضير الفـــــولاذ،
وصبغ الأقمشــة ودبغ الجلود، وطلاء القماش المانع لتســــرب المـــــاء،
واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.
وشرح بالتفصيل كيفية تحضير الزرنيخ ، والأنتيمون ، وتنقيـة المعــــادن
وصبغ الأقمشـــــة. واكتشف أن الشب يساعد على تثبيت الألوان ، كما
أنه صنع ورقاً غير قابل للاحتراق ، وحضر أيضاً نوعاً من الطلاء يمنع
الحديد من الصدأ .
كما أن جابر هو أول من استعمل الموازين الحساسة ، والأوزان المتناهية
في الدقة في تجاربه العلمية .
واكتشف "الصودا الكاوية" أو القطرون ، و هو أول من استحضر ماء الذهب
والفضة بخلطهما بحامض الكبريت وحامض النتريك ، و أول من أدخل طريقــة
فصل الذهب عن الفضة بالحلّ بواسطة الأحماض ، وهي الطريقة السائدة إلى
يومنا هذا.
وأول من اكتشف حمض النتريك و حمض الهيدروكلوريك ، و أدخل تحسينات
على طرق التبخير والتصفية والإنصهار والتبلور والتقطير.
مؤلفاته :
جاء في "الأعلام" للزركلي أن جابراً له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين
واثنين وثلاثين وخمسمائة كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتــــب
جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها مــــن
اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678م ، وفي سنة 1928م أعــــــاد هوليـــارد
صياغتها، وقدم لها بمقدمة وافية ، وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعــــدة
قـــــــــرون .
من أهم هذه الكتب :
1 - كتاب " السموم ودفع مضارها " : كتاب في خمسة فصول تبحث أسماء
السموم و أنواعها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان والحيوان. والعلامـــات
والعلاج والحذر من السموم وفيه قسم السموم إلى سموم حيوانية ونباتيـــة
وحجرية كالزئبق والزرنيخ والزاج. وهذا الكتاب يعتبر همزة وصل بيـــــــــن
الطب والكيميـــــاء.
2 - نهاية الاتقان: وهو مؤلف رائد في الكيمياء.
3 - أصول الكيمياء
4 - استقصاءات المعلم
5 - الموازين الصغير
6 - كتاب الرسائل السبعين : ويشمل سبعين مقالة حول أهم تجاربه فـــــــــي
الكيمياء والنتائج التي توصل إليها ويمكن اعتباره خلاصة ما وصل إليه علم
الكيمياء عند العرب في عصـــــــــره.
توفي جابر بن حيان حوالي عام 199 هـ ، الموافق 815 م على اختلاف بين
المؤرخين .
فهل بعد اطلاعنا على ماقدمه هذا العالم الجليل للعالم ، نعرف كم خسر العالم
كل العالم بانحطاط المسلمين في عصرنا الحاضر ، وهل من همة لشبابنا كــي
نصل حاضرنا بماضينا ليكون مستقبلـــنــا زاهــــــراً بإذن الله ،
هذا هو أملــنا ولا يتحقق الأمــــل إلا بالعمــــل ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الشبكة الاسلامية